ما مدى احتماليّة مصالحة الرباعي العربي مع قطر في ٢٠٢١؟ هذا هو السؤال الأكثر شيوعاً في الإعلام العربي، منذ فوز “جو بايدن” بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، في شهر نوفمبر، وبعد أن تيقّن الجميع من رحيل ترامب، الذي كان أحد الداعمين الأوائل لاتخاذ موقف حاسم ضد قطر، عام ٢٠١٧، من قبل الدول العربية المتضررة من سياساتها الخارجية، وهم تحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين، ومعهم مصر، فيما عرف بعد ذلك بالمقاطعة العربية لقطر.
صحيح أنّ الرئيس الأمريكي ترامب غيّر موقفه لاحقاً، وحاول إقناع دول الخليج، خاصة السعودية، بالتصالح مع قطر، لكن كان الوقت قد فات، ولم تفضِ جهوده لأي نتيجة. كما قامت الكويت بمجهود عظيم في محاولة تقريب وجهات النظر بين السعودية والإمارات من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، ولكن كانت دائماً تقف مساعيها عند حائط مسدود، حيث ما زالت قطر ترفض تنفيذ الثلاثة عشر شرطاً التي حددتها دول الرباعي العربي لإنهاء المقاطعة، وأهمها إغلاق قنوات الجزيرة، وقطع العلاقات مع إيران، وخروج القوات العسكرية التركية من الأراضي القطرية، والتوقّف عن تقديم الدعم للجماعات الإسلاميّة المتطرّفة، مثل جماعة الإخوان المسلمين المصنّفة في مصر والسعودية والإمارات، كتنظيم إرهابي.
وفي أوائل شهر ديسمبر، قام جاريد كوشنر، أقرب مستشاري ترامب وصهره ومهندس اتفاقات إبراهيم للسلام الأخيرة، بين إسرائيل وبعض الدول العربية، بزيارة إلى الدوحة والرياض. في نفس الوقت تقريباً، بدأ التقارب الدبلوماسي غير المتوقّع بين السعودية وتركيا، عقب انعقاد قمة مجموعة العشرين، ومعروف أنّ تركيا هي أقرب حليف عسكري واقتصادي لقطر في منطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم كله. ومن ثم، أثارت هذه الأحداث المتزامنة تكهنات في وسائل الإعلام العربية حول مصالحة محتملة بين قطر وجيرانها الخليجيين، السعودية والإمارات والبحرين، أثناء القمة الخليجية التي كان من المقرّر عقدها في المنامة، البحرين، منتصف ديسمبر، بغضّ النظر عن موقف مصر.
إلا أنّ تغريدة واحدة، على موقع تويتر، نشرها وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، يوم ٨ ديسمبر، وضعت حدّاً لهذه التكهنات، حيث كتب قرقاش: “تثمّن الإمارات جهود الكويت الشقيقة والمساعي الأمريكية نحو تعزيز التضامن في الخليج العربي، وتدعم المساعي السعودية الخيرة وبالنيابة عن الدول الأربع، وتؤكد على أنّ علاقات مجلس التعاون مع مصر الشقيقة ركن أساسي في المحافظة على الأمن العربي واستقرار المنطقة، وتتطلّع إلى قمة خليجية ناجحة”.
حالياً، الأمير تميم عالق بين المطرقة والسندان. من جهة، ما تزال بلاده عاجزة عن مواجهة التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية للمقاطعة العربية، واعتماد قطر على تركيا في توفير الدعم العسكري والأنشطة التجارية، لم ينجح إلا في حل جزء صغير من المشكلة. ومن ناحية أخرى، فإنّ الوثائق التي أعلن عنها في الولايات المتحدة مؤخراً بشأن تورّط قطر في دعم الحوثيين في اليمن، من خلال توفير الطائرات المسيّرة وبعض المعدّات العسكرية لهم، تضع الأمير تميم وجميع أفراد الأسرة الحاكمة تحت خطر التعرّض للمساءلة القانونية بتهمة دعم الإرهاب.
على الجانب الآخر، فإنّ خبر انتخاب الديمقراطي جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة يجبر دول الرباعي العربي على إعادة حساب خياراتها الاستراتيجية في السنوات المقبلة. هذا ينطبق بشكل خاص على كل من مصر والسعودية، اللتين تتوقعان علاقات مضطربة وخشنة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لأسباب تتعلّق بقضايا حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فمن غير المرجّح أن تفضّل إدارة بايدن النظام القطري على حلفائها الأقوى في الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات. فقد لعبت السعودية والإمارات دوراً مهماً في إعادة التوازن للقوى السياسية المهمة في المنطقة، بعد ثورات الربيع العربي، بما ضمن تحقيق حالة من الاستقرار النسبي، في مواجهة الهجمات الضارة من قبل مثلث تركيا وإيران وقطر. وحالة الاستقرار النسبي هذه تخدم المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أيضاً. وبالتالي، لا يستطيع الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن تحمل مخاطر زعزعة العلاقات الاقتصادية الراسخة مع السعودية والإمارات لإرضاء أنصاره من الإسلاميين ومن يقومون برعايتهم في النظام القطري.
بالنظر إلى جميع المصالح والمخاوف المتداخلة المذكورة أعلاه، قد تضع القمة الخليجية المقبلة حداً للمقاطعة العربية لقطر. فبعد عدة تأجيلات، من المقرر عقد قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، السعودية، بدلاً من المنامة، البحرين، في الخامس من يناير ٢٠٢١. وبحسب ما ورد في الإعلام، فإنّ الملك سلمان، ملك السعودية، قد توجه بدعوة إلى الرئيس المصري السيسي لحضور القمة، في نفس الوقت الذي وجه فيه الملك سلمان الدعوة إلى جميع زعماء الخليج العربي، بمن فيهم الأمير تميم، أمير قطر، لحضور القمة.
بإرسال الدعوة إلى الأمير تميم، ألقى الملك سلمان الكرة في ملعب قطر، والطريقة التي يقرّر بها الأمير تميم إعادة الكرة، أو حتى عدم إعادتها على الإطلاق، هو ما سوف يرسم ملامح المرحلة القادمة بشأن مسألة المصالحة الخليجية، فقد سبق وامتنع الأمير تميم، في القمتين الخليجيتين السابقتين لعامي ٢٠١٨ و٢٠١٩، عن حضور الاجتماعات رغم تلقيه الدعوات في حينها، في تصرّف اعتبره البعض موقف احتجاجي على مقاطعة الرباعي العربي لقطر، بينما فسّره آخرون على أنّه تصرّف نابع من غرور أعمى.
وفي الحقيقة، ليس هناك ما يدعو للتفاؤل بأنّ الأمير تميم قد يمتثل طواعية لشروط الرباعي العربي، ولكن يبقى هناك احتمال كبير بأن يحضر الأمير تميم القمة الخليجية القادمة، وبالتالي تبدأ حلقات من المفاوضات على هذه الشروط في الأشهر القادمة.
اقرأه أيضاً على ليفانت
Comments