تنظيم الإخوان الإرهابي، الملف المنسي في درج مكتب ترامب
إن توغل الإخوان في واشنطن وتواجدهم المستمر في أكبر الصحف الأمريكية هو أمر متعلق بالسياسة الداخلية في أمريكا أكثر ما هو متعلق بالعلاقة بين أمريكا ودول الشرق الأوسط، أو حتى بين صنّاع القرار في أمريكا والقيادات الإخوانية التي تعيش وتعمل هناك منذ عقود.
فقد كان وما زال التيار الليبرالي في الولايات المتحدة هو المسيطر الأكبر على أهم مؤسسات الدولة وأكبر وأشهر وسائل الإعلام، رغم وجود ترامب الجمهوري الشعبوي على رأس الدولة، وهذا التيار الليبرالي قد وضع نفسه في حالة تصادم مستمر، ليس فقط مع سياسات ترامب، ولكن أيضاً مع شخص ترامب، لما يمثله من هدم لكل ما يؤمن به الليبراليون من حيث التعددية والحريات الفردية في مقابل مصلحة الجماعة.
فضلاً على ذلك، فإن وصول ترامب للحكم قد شجع على صعود التيار الشعبوي المتشدد نسبياً بين المواطنين الأمريكين، وفي كل أنحاء العالم أيضًا، مثلاً أصبح التيار اليميني في أوروبا هو الذي يحكم في أغلب الدول الآن، وحتى في الدول التي ما زالت تحتفظ بالليبراليين في الحكم، فإن التيار الشعبوي يسيطر على مقاليد الأمور من خلال الحراك السياسي في الشارع وتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات التي تعيق سير الحياة بشكلها المعتاد في هذه الدول كمحاولة لفرض نفسه على المشهد.
ولهذا فإن التيار الليبرالي في داخل الولايات المتحدة أصبح يشعر بالتهديد، وأخذ يتصرف بشكل غير منطقي تجاه دول حليفة لأمريكا مثل مصر، فمثلاً أكتشفت أثناء زيارتي الأخيرة لواشنطن، قبل شهرين، أن الصداقة التي تربط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الأمريكي ترامب هي سر معاداة أغلب الباحثين والسياسيين الأمريكين، المحسوبين على التيار الديمقراطي الليبرالي، لمصر السيسي، ومن ضمن ذلك تشويه صورته طوال الوقت في الإعلام الأمريكي، وإتاحة المجال لأصوات إخوانية بالظهور في الصحف الأمريكية على أنهم يمثلون المعارضة المصرية، بخلاف الحقيقة تماماً، لمهاجمة مصر وبعض الدول العربية الأخرى مثل السعودية والإمارات، وليس من شك أن التمويل القطري السخي لبعض الصحف والمراكز البحثية الكبيرة في واشنطن له أثر كبير في تضخيم هذه الأصوات الإخوانية ضد الدول العربية التي تناصبها قطر العداء.
إن ما يفعله الليبراليون الأمريكيون من فتح منصاتهم لتنظيم إرهابي مثل جماعة الإخوان المسلمين، من باب مكايدة ترامب، هو جريمة لن يدركوا أبعادها ولا تأثيرها المدمر إلا بعد سنوات قليلة من الآن عندما ينجح الإخوان في تنفيذ خطتهم في السيطرة على أروقة السياسة الأمريكية، متلاعبين بقيم حقوق الإنسان والحريات مثلما فعلوا من قبل مع قيم الدين الإسلامي التي شوهوها وفسروها على هواهم ولخدمة مصالحهم، وهو ما بدأنا نشهد بوادره في إطار المجتمع المدني والحركات السياسية المعارضة لترامب.
إلا أن جرم الليبراليين الأمريكيين الأكبر يتمثل في محاولاتهم المستميتة لوقف أو تأجيل مسألة إدراج الإخوان على قوائم التنظيمات الإرهابية الدولية، التي سبق ووعد بها الرئيس ترامب في حملته الانتخابية. وفي هذه المسألة، مسألة تصنيف أمريكا لجماعة الإخوان كتنظيم إرهابي دولي، أخشى أن يكون الرئيس ترامب وإدارته قد استخدموها كأداة لاستمالة دول الخليج العربي لتقديم الدعم المالي والسياسي لأجندته الاقتصادية في داخل أمريكا وعلى مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
فكلما تقوم الولايات المتحدة بتصنيف جماعة أو فصيل من فصائل الإخوان، مثل حركة حماس في غزة، وحركة حسم وتنظيم لواء الثورة في مصر، وجبهة النصرة في سوريا، وغيرهم، كتنظميات إرهابية نظن أننا اقتربنا من الهدف الأهم وهو تصنيف الجماعة الأم، جماعة الإخوان، كتنظيم إرهابي، لكن ما يحدث على أرض الواقع هو عكس ذلك، إذ يبدو أن هذه التصنيفات تقدم على سبيل المسكنات للدول العربية، خصوصاً دول الخليج المهتمة بملاحقة الإخوان دولياً ولدى أمريكا علاقات اقتصادية قوية معها، مثل السعودية والإمارات.
والحقيقة، أنه كلما اقتربت الفترة الأولى من حكم الرئيس الأمريكي ترامب على الانتهاء، يصبح احتمال تنفيذ مسألة إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي مسألة ابعد احتمالاً، لأكثر من سبب.
أولاً، إن الثغرات القانونية التي يستند عليها الفريق الرافض لإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب داخل أروقة صناعة القرار في أمريكا، ما زالت قائمة، ولم يتم حلها أو تقديم ما يثبت ضرورة تجاوزها، وأهمها هو عدم إمكانية إثبات أن جماعة الإخوان تتحرك ككيان واحد ينتهج كل أطرافه، بما في ذلك القيادات والسياسيين العاملين، العنف كسبيل لتحقيق أهدافه السياسية، فبرغم كل ما قدمناه في السنوات الماضية كمراكز أبحاث وكدول وحكومات في هذا الشأن، وبرغم حقيقة أن الإخوان تتخذ فكرة الجهاد العنيف شعاراً ومنهجاً لها، إلا أن إثبات المسألة قانونياً لوزارة العدل الأمريكية ووزارة الخارجية وغيرها من الأجهزة المسؤولة داخل الولايات المتحدة بشكل حاسم لا يقبل الجدل لم يتم حتى الآن.
ثانياً، الأمل ضعيف جداً في أن يتخذ الكونغرس أي خطوة إيجابية في اتجاه الضغط على الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية، لوضع الإخوان على قوائم الإرهاب، وذلك لأن الكونغرس يسيطر عليه الديمقراطيون الآن، وهم الجانب المعروف بتحيّزه لجماعة الإخوان منذ وقت حكم أوباما وما سبقه، وأيضاً فريق الديمقراطين في الحكومة والإعلام يحارب ضد مسألة إدراج الإخوان، كيداً في ترامب، ومن باب ضمانة استمرار تدفق التمويلات القطرية إليهم.
ثالثاً، إن الداخل الأمريكي مشتعل في معركة عزل ترامب، لدرجة أن جميع المسؤولين في الحكومة والكونغرس وحتى مراكز الدراسات ومنظمات الدعوة والمناصرة، قد تخلت بشكل كبير عن الحديث في الشؤون الدولية وانكفأت تدرس وتحلل وتناقش مسألة عزل ترامب، ولم يعد الشرق الأوسط ولا ما يجري فيه، ولا حتى تهديد الإرهاب مسألة ذات أولوية الآن داخل واشنطن، وقد شهدت ذلك بنفسي، وأظن أن الوضع سيتسمر هكذا لفترة ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية العام القادم.
رابعاً، إن جماعة الإخوان، نظراً للانقسامات الشديدة بين قياداتها وتشتت قواعدها، أصبحت ورقة محروقة بالنسبة لجميع الأطراف، من أول تركيا وقطر وانتهاءاً ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما بقي إردوغان وحزبه الإخواني في سدة الحكم في تركيا، وبقيت فصائل الجماعة في مناصب سياسية في دول المغرب العربي والأردن والحكومة الفلسطينية، سوف يستمر الوضع على ما هو عليه، وستحسب الولايات المتحدة ألف حساب لمسألة إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولي، وأملنا أن يتغير هذا الوضع ولو قليلاً في السنوات القادمة مع توقع سقوط إردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا.
وأخيراً، يبدو أنه لا توجد نية حقيقية داخل الإدارة الأمريكية، حتى الآن، لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي، وأن ترامب يكتفي فقط بالتلويح بفكرة التصنيف من وقت لأخر لابتزاز استثمارات مالية أكبر من دول الخليج، وأكبر دليل على ذلك هو أنه فعلياً لم تتخذ الإدارة الأمريكية أي خطوة سياسية أو قانونية حقيقية في هذا الاتجاه منذ تولي ترامب للحكم قبل أربع سنوات، بالرغم من وعوده الانتخابية الصاخبة في هذا الشأن، وهو أمر أعتقد أنه يجب على الدول العربية المهتمة بمحاربة خطر الإخوان على منطقة الشرق الأوسط الانتباه له في الفترة القادمة وتغيير الطريقة التي يتعاملون بها مع الولايات المتحدة في هذا الملف.