top of page
Writer's pictureداليا زيادة

رسائل شباب الإخوان.. قراءة ما بين السطور


اكتظت منصات التواصل الاجتماعي، مع اقتراب ذكرى تحرر مصر من حكم الإخوان المسلمين في يونيو ٢٠١٣، بعدد من الفيديوهات الشخصية المصورة باستخدام التليفونات المحمولة، يظهر فيها شباب جماعة الإخوان الهاربين إلى تركيا وبعض الدول الأوروبية، يعلنون فيها غضبهم تجاه قيادات الجماعة الذين استغلوهم في جمع الثروات ثم تخلوا عنهم، وراح بعضهم يطلب من السلطات المصرية السماح لهم بالعودة مقابل تعهدهم بالخروج من جماعة الإخوان والتوقف عن ممارسة أي نشاط سياسي في المستقبل، لتصبح هذه الفيديوهات مجرد حلقة جديدة في سلسلة دعوات المصالحة الإخوانية التي بدأت منذ عام ٢٠١٦، واعتاد المصريون على مقابلتها بشيء من السخرية أحياناً والتجاهل في أغلب الأحيان.

وما أن هدأت هذه الموجة من الفيديوهات إلا وبدأت حلقة جديدة من دعوات المصالحة، والتي أتت على هيئة خطابات مكتوبة بخط اليد يتم تسريبها بين حين وآخر من داخل السجون المصرية، حيث يقضي عناصر الإخوان عقوبات حبس تنفيذاً لأحكام قضائية جراء ارتكابهم لجرائم عنف استهدفت المدنيين ومؤسسات الدولة والمرافق الحيوية ضمن سلسلة الأعمال الانتقامية التي خططت لها ونفذتها جماعة الإخوان في أعقاب سقوطهم من الحكم في عام ٢٠١٣.

الأمر الجديد في هذه الرسائل، على عكس كل دعوات المصالحة السابقة، هو أنها تخرج باسم شباب الجماعة وليس باسم جماعة الإخوان، بل إنها تحمل الكثير من الغضب تجاه قيادات الإخوان، وأنها تخرج في صورة رسائل بسيطة وواضحة موجهة بشكل مباشر للقيادات السياسية والدينية في مصر، وليس للشعب المصري. في الماضي كانت دعوات المصالحة تساق عبر وسائل الإعلام الأوروبية والعربية الموالية للإخوان وعلى لسان شخصيات كبيرة سناً وذات احترام دولي واسع، سواء كانوا أعضاء بالجماعة أو من المثقفين المستقلين الذين تربطهم بعض المصالح مع الإخوان أو مع الدول التي ترعاهم مثل قطر وتركيا، وكانت دائماً موجهة للشعب المصري وليس للقيادة السياسية.

لم استغرب الانقسام الحادث بين شباب الإخوان وقياداتهم، فهناك فجوة ضخمة في طريقة التفكير والتنظيم والإدارة بينهما منذ سنوات، تجلت هذه الفجوة في مرحلة ثورة يناير والسنوات القليلة التي سبقتها. فقد شهدت هذه الفترة، بفضل تكنولوجيا الانترنت، اختلاطاً قوياً بين شباب الإخوان والشباب اليساري والليبرالي على خلفية التدوين الإليكتروني في العالم الافتراضي، وهو اختلاط ما كان ممكناً أن يحدث أبداً بهذه القوة في العالم الحقيقي نظراً للاختلاف الأيديولوجي القوي بينهم وأماكن تجمع كل كتلة من هذه الكتل السياسية.

وقد أدى هذا الاختلاط لتأثر شباب الإخوان بفكر التيارات السياسية الأخرى، وجعل من السهل عليهم إعلان التمرد على أوامر القيادات في بعض الأمور، أشهرها مثلاً إصرارهم على المشاركة في المظاهرات التي مهدت لثورة يناير، رغم تبرؤ قيادات الإخوان منها وإعلانهم عدم اقدام الجماعة بالخروج على نظام مبارك من باب عدم الخروج على إرادة الحاكم، وكان ذلك رغبةً من قيادات الإخوان في الحفاظ على المكاسب التاريخية في عدد ما تم تخصيصه لهم من مقاعد في البرلمان أو توليهم قيادة أغلب النقابات المهنية، إثر صفقة مشبوهة مع نظام مبارك آنذاك.

لكن ما أن تمكن الإخوان من حكم مصر في غفلة من المصريين، أثناء الفوضى التي سادت البلاد في أعقاب ثورة يناير، إلا وأصبح شباب الإخوان نسخة أصغر سناً من قياداتهم، وأصبحوا يتحدثون مثلهم ويصوغون التوازنات السياسية بنفس الطريقة الفاشلة التي اعتمدها قيادات الجماعة، وحتى بعد سقوط حكم الإخوان في أعقاب ثورة شعبية دعمها الجيش المصري في يونيو ٢٠١٣، تحول هؤلاء الشباب إلى ميليشيات تخطط وتنفذ جرائم عنف في كافة ربوع مصر، انتقاماً من المصريين الذين رفضوا تسلقهم إلى سدة الحكم، ضاربين بعرض الحائط بكل قيم المواطنة وحب الوطن التي يتغنون فيها في رسائلهم التي يستعطفون بها القيادة السياسية الآن لإخراجهم من السجن.

إن رسائل شباب الإخوان تحمل بين سطورها أكثر مما هو مكتوب فيها، فهي في حقيقتها تنبئ بموت جيل كامل داخل جماعة الإخوان وميلاد جيل إخواني جديد أكثر شراسة وأكثر مواكبة لأدوات العصر وأكثر قدرة على الخداع والمراوغة، يبحث عن فرصة للخروج من السجن للإعلان عن نفسه، وهي الفرصة التي لا أعتقد أن القيادة السياسية أو الشعب المصري مستعد أن يمنحها لهم في أي وقت قريب.

كما يبدو، بقليل من الإمعان، في لغة وصياغة رسائل شباب الإخوان، أنها موجهة لأطراف بعينها، من ناحية فهم يستهدفون بها تذكير قيادات الجماعة بقوتهم العددية وحضورهم، الذي يجعل من تمرد وغضب هؤلاء الشباب قوة قد تضر بالمصالح الشخصية لهذه القيادات، خصوصاً بعدما تخلوا عن الشباب المحبوس صراحةً، وتوقفوا عن إرسال الأموال لهم ولأسرهم، وانخرطوا في صراعات شخصية على زعامة الجماعة وتقسيم أموال الجماعة فيما بينهم.

من جهة أخرى، فإن رسائل شباب الإخوان تحمل رسالة غير مباشرة للدول الراعية لقيادات الإخوان الهاربين في الخارج، ومنها قطر وتركيا وحتى بريطانيا التي تفتح باب اللجوء السياسي للإخوان على مصراعيه حتى اليوم، في محاولة لتذكير هذه الحكومات بأن الجيل القديم في جماعة الإخوان لم يعد ذو فائدة وأن جيل الشباب هو مستقبل الإخوان والعماد الأهم والأنفع لتحقيق مصالح هذه الدول في المنقطة العربية، وهو ما يتفق كثيراً مع حالة اليأس وخيبة الأمل التي أصبحت تحملها هذه الدول تجاه القيادات الإخوانية التي تستضيفها على أراضيها وترعاها، وهي تشاهد قوتهم في التأثير على دول الشرق الأوسط في تضاؤل مستمر، خصوصاً بعد المقاطعة العربية لقطر قبل بضعة أعوام.

إن القيادة السياسية في مصر، والشعب كذلك، يعلم جيداً أن الاستجابة لرسائل شباب الإخوان أو الانخداع بدموعهم أو حديثهم عن “حب الوطن” الذي لم يكن أبداً من مفردات قاموسهم، سيكون بداية لكابوس لن ينجو منه الشرق الأوسط لعقود لاحقة، فقد سبق وأخطأ الرئيس السادات وأخرج الإخوان من السجون في بداية عهده، وكانت النتيجة أن قتلوه بدم بارد، حتى لو صدقنا أن هناك خلافاً حقيقياً بين شباب الإخوان وقياداتهم، فهذا لا يعني أنهم أصبحوا بقدرة قادر ملائكة، فما زالت عقيدتهم الإخوانية الفاسدة، التي تتخذ من ممارسة العنف والإرهاب وسيلة للتقرب إلى الله تحت شعار الجهاد، جزء أصيل من تكوينهم الفكري والعقائدي.

bottom of page